جاء مسرعا ومشرقا كشمس شقت الغيوم بعد ايام ممطرة لتبث في النفوث الدفء عيناه تشعان براءة كسنوات عمره الخمس فرحا كفرحه محروم برغيف خبز "حبيبه هذا اجمل رسم في الصف هكذا قالت لي المعلمه انظري الي النجمه الذهبيه علي جبيني ..."
ضممته الي صدري واخذت اتأمل معه الرسم وانا اثني عليه لقد ورث تلك الموهبه من امه رحمها الله...طبعت قبله علي جبينه وقلت:"ما الهديه التي تريدها مكافأه على هذا الانجاز الرائع ؟"احمرت وجنتاه وصمت قليلا قبل ان يسألني سؤالا احسست به كالصاعقه علي ينزل علي قلبي ليقسمه نصفين "اين ابي وامي"... لقد مضي علي هذا الحادث المشؤوم ثلاث سنوات لم يسألني مره عنهما ولطالما اعتقدت ان عدم ذكرهما امامه سيجنبه الم الذكرى ومرارة البعد...
لا ادري لماذا اصبحت عاجزة عن النطق يالها من مزهله!مدرسه علم نفس والمنطق التي تتكلم لساعات مع تلميذاتها وتحل مشاكله عاجزة عن النطق ولو بكلمه واحده امام سؤاله البسيط استجمعت كل قواي لاخرج من صمتي:"انهما في السماء ياصغيري لقد اصطفاهما الله ليكون بقربه "
"لكن السماء بعيده جدا"
"يوما ما سنلحق بهما ونكون بقربهما"
وعادت وجنتاه للاحمرار وعاد قلبي ليخفق مره اخري حتي سمعت قضي دقاته باذني.... ماذا يريد مرة ثانيه :"اريد ان اناديك ياماما " يالهي لقد فاجئني طلبه كان اصعب من سؤاله الاول :"طبعا ياحبيبي لا مشكله ولكن والدتك هي من اطلق علي هذا الاسم "حبيبه" حتي نسيت اسمي الاصلي وانا احبك نطقي لاسمي ".. ابتسم وتركني راكضا الي جدته ليسألها ماذا اعدت له من وجبات فاخره وتنفست الصعداء ونظرت لاري اللوم في عيني والدي :"دعيه يناديك ياماما يا حببيبه وقدري مشاعره"
اشحت بوجهي عنه وانا اقول "ولكن كلمه ماما كبيرة علي ولن استطع تحملها من فمه الصغير "
ولكنني سرعان ما تعودت عليها واصبح لها صدي في قلبي يشبه زقزقه العصافير وعبق الورد في ربيع يشبه ربيع ايامي الذي نشر فيه عبق معناه ليحولني الي ..... ام!
كنت اراه يكبر يوما بعد يوم وكانت فرحتي تكبر معه لحظه بلحظه عندما كان صغيرا كنت اعتبر انني ارد الجميل الاختي لرعايتها لي وانا صغيرة ولحنانها الدافئ الذي غمرتني به واحتمالها لطيشي وصبرها علي شقاوتي ولكنني الان ادرك بانني احبه كابن لي لا بل انه الابن الذي لم الده او ... ولدته....لا ادري ! لقد اختلطت علي مشاعري حتي بدا وكانني وهو روح واحده لم تكن يوما الا هكذا .... وها هو الان في المرحله الاعداديه متفوق رائع معتمد بنفسه وكم كانت فرحتي به كبيره عندما اذ انه ينتقل الي المدرسه التي اتولي ادارتها ولكن مفاجاتي كانت كبيره عندما قال لي "لن انتقل الي مدرستك!" ولاول مره ارفع صوتي بوجهه :"ماذا"
"لا اريد ان اكون المدلل وكل ما سابذله يضيع سدي لان امي مديره المدرسه"..... وشعرت بالدم يغلي في عروق فقاطع ابي حديثنا قائلا :"ما يقوله سامح صحيح "
وانسحبت من معركه المنطق والفلسفه لاني ايقنت انني ساخرج من هذه المعركه خاسره دون اي ادني شك ...
ركض ورائي قائلا "امي حبيبه لا تغضبي مني فانا احبك ولا اقصد جرحك...."
ومرت الايام والسنون وانا اراه ينتقل من نجاح الي اخر ومن تفوق الي انتصار وكم كننت اسعد بجلساتنا التي كنا نتسامر فيها احيانا واحيانا اخر نتجادل كنت دائما احاول الوصول الي اعماقه لاكتشف ما يدور بخلده ولكنه كان يفهم ما يريد ويرفض البوح بما في داخله ويتحداني لاكتشف بنفسي ويقول لي :الست مدرسه علم نفس عليكي الاكتشاف بنفسك ....
لطالما كنت الخاسره في معاركنا ومجادلاتنا التي لا تنتهي وبعد كل نقاش كنت ادخل غرفتي لاتامل رسوماته التي ملات جدار غرفتي تلك التي كنت اعتبرها جزءا من تاريخي معه فقد كانت تعبر عن اشياء كثيره بداخله لم ينطق بها ولكنني كنت اشعر من خلالها بحبه الكبير لامه....... لي ! وظننت انه نسي وانني اصبحت بالنسبه له الام التي افتقدها وانني ملات بكل قوة وروعه مكانها في قلبه ....
وجاء ذلك اليوم الذي دخل فيه المنزل وهو يحمل في يده باقه من الورود الرائعه والمنسقه بطريقه مزهله, اخبرني بانه هو من نسقها لدرجه ان البائع عرض عليه العمل معه .... سررت كثيرا لما سمعت ومسكت الباقه بيدي ولكنه لم يفلتها من يده ووجدت في وجهه احمرارا اشعرني بان في الامر سرا وبان الباقه ليست لي .... سحبت يدي بعيدا ولم ارى ماذا علي ان افعل امام ارتباكه غير الصمت والانتظار ... كانت كلماته تخرج من فمه بطيئه مرتبكه كان يتلعثم بالحروف وهو يقولها وكانه صخره تطبق علي صدره ... واخيرا نطقها وفهمت وادركت :
حبيبه سنذهب اليوم جميعا لنضع باقه الورد هذه علي قبر ...... امي!
"ســــــــــــــــــــــــاره "