علم مسلمو إندونيسيا أمس أنهم كانوا يولون وجوههم في الصلاة في اتجاه خاطئ
للقبلة بعد أن قالت أرفع هيئة دينية بالبلاد إن فتواها بشأن اتجاه مكة
جعلت الناس يصلون في اتجاه أفريقيا. وكان مجلس العلماء الإندونيسي قد أصدر
فتوى في مارس (آذار) جاء فيها أن اتجاه القبلة هو الغرب. وقال تشوليل
رضوان رئيس مجلس العلماء لـ«رويترز»: «تقرر أن المساجد تواجه الصومال أو
كينيا، وبالتالي ننصح الناس بتحويل الاتجاه إلى الشمال الغربي قليلا... لا
داعي لهدم المساجد، غيروا اتجاهكم قليلا أثناء الصلاة». وصرح رضوان بأنه
لا داعي أن يخاف المسلمون من أن تكون صلاتهم باطلة لأنهم كانوا يصلون في
اتجاه خاطئ للقبلة. وأضاف: «لن يحول هذا دون أن يسمع الله صلاتهم».
وقال عقيل سراج رئيس منظمة «نهضة العلماء»، وهي أكبر منظمة للمسلمين في
إندونيسيا، لصحيفة «جاكرتا غلوب» التي تصدر بالإنجليزية، إن هذا الخلط
يظهر أن مجلس العلماء الإندونيسي يتسرع في إصدار الفتاوى، وإن هذا درس
لأعضائه.
وكان مجلس العلماء الإندونيسي قد أصدر في ما مضى فتاوى مثيرة للجدل تمنع
المسلمين من الغناء أثناء ممارسة اليوغا والتدخين. ويغلب على إندونيسيا
المسلمون لكنها دولة علمانية رسميا.
إلى ذلك، تضاربت أقوال علماء بمجمع البحوث الإسلامية حول صحة صلاة مسلمي
إندونيسيا بعد اكتشافهم وجود خطأ في حساب اتجاه القبلة، فمنهم من اعتبرها
صحيحة ونصحوا بأن يصححوا هذا الخطأ بالاتجاه الصحيح للقبلة والمتفق عليه
شرعا باتجاه الكعبة المشرفة، بينما اعتبر بعض العلماء صلاتهم غير صحيحة
وعليهم قضاؤها.
فمن جانبه أكد الدكتور عبد المعطي بيومي، العميد السابق لكلية أصول الدين
بجامعة الأزهر، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه لا يلزم على مسلمي
إندونيسيا إلا توجيه القبلة ناحية مكة، وعدم هدم المساجد، ولكن فقط تعديل
القبلة، مؤكدا أن صلاتهم الماضية صحيحة إن شاء الله استنادا إلى قول الله
تعالي: «وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ». بينما شكك الدكتور طه
أبو كريشة، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، في
كلام مسلمي إندونيسيا، مؤكدا أنه صلى في إندونيسيا أكثر من مرة وقبلتهم
صحيحة ناحية مكة. وأشار أبو كريشة إلى أنه لو كان كلام مسلمي إندونيسيا
نابعا من تحرٍّ ودراسة من أن القبلة التي كانوا يولون إليها وجوههم خاطئة
فعليهم أن يعدلوا القبلة فقط وصلاتهم الفائتة صحيحة، مثل المسلم الذي ينوي
الصلاة وبعد أن يصلي يتبين أنه صلى في غير اتجاه القبلة، فصلاته صحيحة.
وطالب أبو كريشة بضرورة التصدي لم يشوشون على الأمة الإسلامية بمحاولات
البلبلة من وقت إلى آخر.
على الجانب الآخر أكد الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الشريعة الإسلامية
بجامعة الأزهر، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه لا بد على المسلمين في
إندونيسيا قضاء الصلاة التي كانوا يؤدونها استنادا إلى القاعدة الفقهية
التي تقول: «لا عبرة بالظن البيّن خطؤه»، وعليهم تعديل اتجاه قبلتهم فورا.
وأشار إلى أنه أصبح من السهل الآن مع وجود الوسائل العلمية الحديثة التحقق
بصفة يقينية، وليس بغالب الظن، من اتجاه القبلة، أي اتجاه الكعبة المشرفة.
وأشار الدكتور عادل عبد الشكور، المحاضر والداعية بوزارة الأوقاف المصرية،
إلى أن الله تعالى قال: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ»، فاستقبال القبلة شرط صحة الصلاة، والشرط يلزم وجود الوجود ومن
عدمه العدم، فإذا ما استقبل المسلم القبلة صحت صلاته، وإلا فلا، وإذا
التبس عليه أمر القبلة «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ»، لكن
عليه الإعادة بعد ذلك، كما أفتى بذلك جمع من أهل العلم، وبالتالي ينبغي
على مسلمي إندونيسيا أولا: ضبط القبلة الشرعية بما يتفق مع درجات خطوط
الطول والعرض الموافقة للكعبة المشرفة، وإلا فلا عبرة لصلاتهم، وثانيا:
عليهم إعادة ما استطاعوا من الصلاة بتطبيق حكم الفوائت، أي بعد الانتهاء
من الفرض الحاضر يصلي فرضا مثله، فلو صلى ظهرا على سبيل المثال وانتهى من
الصلاة قام وصلى بعد ذلك ظهرا من الفوائت، وهكذا في باقي الصلوات إلى أن
يستشعر أنه قد قضى ما مضى.
وأضاف عبد الشكور أنه لا يجوز التهاون بأي حال من الأحوال في أمر القبلة،
بخاصة في ظل التقدم العلمي، حيث أصبح من اليسير تحديد اتجاهها بدقة
متناهية.