دموع البحر
تاريخ التسجيل : 01/08/2009 عدد المساهمات : 3417
| موضوع: طرائف و لطائف من بطون الكتب و الصّحائف الأربعاء 16 يونيو 2010, 7:00 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بين يَدي الطَّرائِف و اللَّطَائِف
الحمد لله ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على محمّد النّبيّ الأمين و على آله و صحبه و من تبعه إلى يوم الدّين . و بعد : فهذا موضوعٌ كانت تراودني فكرةُ كتابته منذ مدّة ، إلاّ أنّ كثرةَ الشّواغل و العلائق الدّنيوية صرفتني عنه ، و أرجو فيما أستقبل من الأيّام أن أتفرّغ له و للمواضيع الأخرى ، و أن يوفّقني ربّي إلى إتمامها . هذا الموضوع إخواني ، سأدوّن فيه ما أقف عليه من الحكايات الظّريفة و الأخبار الطّريفة ، تشحذ همّة قارئها إلى التحّلي بأخلاق السّلف الأخيار ، و التأسّي بالصّالحين الأبرار ، أجمعها من مطالعاتي فيما تيسّر من كتب التّراث ، فهي لطالب العلمِ و الأدبِ خيرُ ميراث ، و الغرض من تدوينها و جمعها حصول التفقّه و التدبّر ، لا مجرّد التفكّه و التّندّر ، فهي - و إن كانت الطّرافة الصّفة البارزة لأكثرها - إلاّ أنّ كلّ خَبَرٍ منها يتضمّن عِبرة ، أو يشتمل على فكرة ، تهذّب الآداب و الأخلاق ، و تحرّك فِطنة الحُذّاق ، و يتشوّق إلى سماعها كلّ طالب ، و يتشوّف إلى قرائتها كلّ راغِب . و طريقتي في سردها ، أن أدوّن الأثر أو الخبر ، مع ذكر قائلِه أو ناقلِه ، و أجعل لكلّ واحدٍ من تلك الآثار عنوان ، و قد أعلّق - أحياناً - بشيءٍ من الشّرح و البيان . و لا ألتزم فيما أنقل الصّحة ، و لا أعدّ هذا منّي تفريطاً و لا قِحة ، إذ ليس ذلك في العادة شرطاً لنقل الآثار ، في باب الاستئناس أو الاستشهاد للمعاني بالأخبار ، بل أكتفي بالعزو و الإحالة ، من غير إملالٍ و لا إطالة ، و من أحالك بالإسناد ، فقد أدّى المطلوب و أجاد . و راق لي إخواني أن أطلق على هذا الجمع اسم :
طرائِفُ و لطائِف من بُطون الكُتُب و الصَّحائِف [b][1] يا حَدَثُ ! لا تُورِّط نفسَكَ بالتَّصدُّر
عن إسماعيل بن أميّة عن الأعمش قال : " لمّا سمعتُ الحديثَ ، قلتُ : لو جلستُ إلى ساريةٍ أفتي النّاس ! قال : فجلستُ إلى ساريةٍ ، فكان أوّل ما سألوني عنه ، لم أدرِ ما هو ! " (1) .
ما أجملَ الصّدقَ ، فرحم الله الإمام سليمان بن مهران الأعمش . و اليوم كثُر المُفتُون بغير علمٍ ، بل يكادون يسدّون علينا منافذ الهواء من كثرتهم ، لكن أين من ينصف نفسه منهم و يصدُقُها ؟ و ما كثّرهم إلاّ جهل النّاس بالشّرع ، فكلّ مُلتحٍ شيخ ! و كلّ صاحب عِمامةٍ فقيه ! فلو أنّ أمثال هؤلاء جلسوا للإفتاء في الزّمن الأوّل ، زمن العلم و الصّدق ، لضُربوا بالنّعال و الجريد ، و لطاردتهم الصّبيان في الأزقّة .
________________ (1) : " الفقيه و المتفقّه " للخطيب البغدادي ، بتحقيق عادل العزازي (2/160 ) .
[2] العلمُ كثيرٌ فعلَيْكَ منهُ بما ينفعُكَ
قال ابنُ خلاّدٍ : أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمّد بن سهيل قال : حدّثني رجلٌ ذكره من أهل العلم - قال ابن خلاّدٍ : و أُنسيتُ أنا اسمَه - قال : وقفت امرأةٌ على مجلسٍ فيه يحي بن معين ، و أبو خيثمة ، و خلفُ ابن سالم ، في جماعةٍ يتذاكرون الحديث ، فسَمِعَتْهُم يقولون : " قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، و رواه فلانٌ ، و ما حدّث به غيرُ فلانٍ " ، فسألَتْهُم عن الحائض تُغَسّل الموتى ؟ و كانت غاسلةً ، فلم يجبها أحدٌ منهم ، و جعل بعضُهم ينظرُ إلى بعضٍ ، فأقبل أبو ثورٍ ، فقالوا لها : عليكِ بالمُقبِل ، فالتفتت إليه و قد دنا منها ، فسأَلته ، فقال : نعم ، تغسّل الميت ، لحديث القاسم عن عائشة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم قال لها : " أما إنّ حيضَتك ليست في يدك " ، و لقولها : " كنتُ أفرق شعر النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم بالماء ، و أنا حائضٌ " ، قال أبو ثورٍ : فإذا فرقت رأس الحيّ فالميت أولى به . فقالوا : " نعم ، رواه فلانٌ ، و حدّثناه فلانٌ ، و يعرفونه من طريق كذا ! " و خاضوا في الطُّرق ! فقالت المرأة : فأين كنتم إلى الآن ؟! (1) . في سند القصّة من لم يُسمّ ، و أبو ثور الإمام اشتهر باشتغاله بالرأي ، فلا يبعد أن يكون اختلقها بعضُ المتحاملين على أهل الحديث . فأين مثلُ يحي بن معين و أبي خيثمة في زماننا ؟ و العبرة من القصّة أنّك اليومَ تجدُ الطّالب النّاشئ يشتغل من العلم بالفضول ، و يترك الأصول ، و هذا و الله قلّ من يسلَمُ منه ، و على ذكر تتبّع طرق الحديث ، ترى كثيراً من المشتغلين بالتّحقيق ، يسوّد الصّفحات الطّوال في تخريج حديثٍ أو عزو أثرٍ ، و كان يكفيه أن يريح القارئ بقوله : " رواه فلانٌ ، وهو صحيحٌ " ، لكنّه الاشتغال بالفضول . _____________(1) : المصدر السّابق ( 2/160 ) . [3] داءٌ لا دَواءَ لَه
[center][size=25]جاء رجلٌ إلى ابن شُبْرُمة ، فسأله عن مسألةٍ ، ففسّرها له ، فقال : لم أفهَم ! فأعاد ، فقال : لم أفهَم ! فقال له : " إن كنتَ لم تفهَمْ لأنّك لم تفهَم ، فستفهمُ بالإعادة ،و إن كنت لم تفهم لأنّك لا تفهم ، فهذا داءٌ لا دواء له ! " (1) .
_______________ (1) الفقيه و المتفقّه 2/189 . [b][4] حُلمٌ في اليقَظَة و لا أحلَى مِنْه
قال أبو زكريّا المناوي : أخبرني شيخنا الشّيخ وليّ الدّين ( يعني أبا زرعة بن الحافظ زين الدّين العراقي ) مُذاكرةً : أنّه ركب البحر مع شخصٍ من المكّاريّة من طائفة الريافة ، قال : فقلتُ في نفسي - و قد خاضت في الأمل - لو كان لي أربعُ زوجاتٍ في أربع مساكن ، و في كلّ مسكنٍ من الكتب الّتي أحتاجها نظير ما في بقيّة المساكن ... " (1) .
[right]
[size=21]____________________(1) ذكره السّمهوديّ في " جواهر العِقدين في فضل الشّرفين " ( 1/162 ) ، نقلاً عن المشوّق إلى القراءة و طلب العلم " لعلي بن محمّد العمران ( ص 59 ) . [/size] [/center] [/size][/b] [5] لا تَعْبَثْ في صَلاَتِك عن عبد الله بن عيّاش قال : " جلس الشّعبيّ على باب داره ذات يومٍ ، فمرّ به رجلٌ فقال له : أصلحكَ الله ، إنّي كنتُ أصلّي فأدخلتُ إصبعي في أنفي فخرج عليها دمٌ ، فما يرى القاضي أحتجم أم أفتصدُ ؟ فرفع الشّعبيُّ يديه ، و قال : الحمد لله الّذي نَقَلَنا من الفِقه إلى الحِجَامة " .
" الفقيه و المتفقّه " 2/419 . [6] أُعجوبةٌ في الحِرصِ على الوَقت
قرأتُ قديماً عن ألبرت إنشتاين ، الفيزيائي الألماني الشّهير ، أنّه من شدّة حرصه على الوقت كان لا يلبس الأقمصة بأكمامٍ ذوات أزرار ، لأنّ غلقها و فتحها يضيع عليه وقتاً ثميناً ! فقلتُ في نفسي أنّه لا بدّ أن يكون في علماء الإسلام ما هو أشدّ و أغرب من ذلك ، فبقيت أترقّب أن تقع عيني على ما كنتُ أتمنّى ، حتّى قرأتُ عن أبي الوفاء ابن عقيل و هو يتحدّث عن نفسه فيقول : " أنا أقصر بغاية جهدي أوقاتَ أكلي ، حتّى أختار سَفَّ الكعك و تحسّيه مع الماء على الخبز ؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ ! توفُّراً على مطالعةٍ أو تسطير فائدةِ لم أدركها فيه !! " .
ذكره ابن رجبٍ الحنبليّ في " الذّيل على طبقات الحنابلة " ، نقلا عن " المُشوّق إلى القراءة و طلب العلم " ص 40 .
[7] أعوذ بالله من انحطاط الهِمّة !
قال رجلٌ لخالد بن صفوان - أحد بُلغاء العرب - : ما لي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار ، و تتدارسون الآثار ، و تتناشدون الأشعار ؛ وقعَ عَليَّ النّومُ ؟! قال : لأنّك حمارٌ في مِسلاخ إنسان !
المُشوِّق إلى القراءة و الطّلب ، ص 55 .
[8] متكلّمٌ عن إِماميٍّ عن تَناسُخيٍّ !الجنونُ بعينه !قال ابن الجوزيّ :" عن أبي الحسن علي بن نظيفٍ المتكلّم ، قال : كان يحضُرُ معنا ببغداد شيخُ الإماميّة ، يُعرف بأبي بكرٍ الفلاّس ، فحدّثنا أنّه دخل على بعض من كان يعرفه بالتّشّيع ، ثمّ صار يقول بمذهب التّناسخ ، قال : فوجدتهُ بين يديه سنّورٌ أسودُ ، و هو يمسحها ، و يحُكّ بين عينيها ، و رأيتها و عينها تدمعُ ، كما جَرَت عادةُ السّنانير بذلك ، و هو يبكي بكاءً شديداً ، فقلتُ له : لمَ تبكي ؟ فقال : ويحكَ ! أما ترى هذه السّنور تبكي كلّما مسحتُها ! هذه أُمّي لا شكّ ، و إنّما تبكي من رؤيتها إليّ حسرةً !!قال و أخذ يخاطبها خِطابَ من عِندَه أنّها تفهم منه ، و جعلت السّنورُ تَصِيحُ قليلاً قليلاً ، فقلتُ له : فهي تفهمُ عنكَ ما تخاطبها به ؟ فقال : نعم ، فقلتُ : أتفهمُ أنت صياحها ؟ قال : لا ، قلتُ : فأنتَ المنسوخُ و هي الإنسان !! " ." المُنتقى النّفيس من تلبيس إبليس " ص 75 . [9] هل فيكم من يَبلغُ شَغَفُه بالقرَاءَة إلى مِثلِ هذا ؟
كان العلاّمة النّحوي محمّد بن أحمد أبو بكرٍ الخيّاط البغدادي ، يدرسُ جميع أوقاته ، حتّى في الطّريق ، و كان رُبَّما سَقَطَ في جُرفٍ أو خَبَطَتْهُ دَابّةٌ !!
المُشوِّق ص 62 .
[10] إنّي أغبطُهُم و الله
[center]قيل لرجلٍ : من يؤنسُكَ ؟ فضرب بيده إلى الكتب ، و قال : هذه ؛ فقيل : منَ النّاس ؟ فقال : الّذين فيها . [right] المشوّق ص 49 . و مثلُها بل أحسنُ منها :
عن نعيم بن حمّادٍ قال : كان ابن المبارك يكثرُ الجلوس في بيته ، فقيل له ألا تستوحشُ ؟ فقال : كيف أستوحشُ و أنا مع النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و أصحابه ؟!
سير الأعلام 7/604 . [11] هكذا تزولُ النِّعَم !
قال محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الأكفاني رحمه الله : " حَجَجْتُ في بعض السّنين ، و حَجَّ في تلك السّنة أبو القاسم عبد الله بن محمّد البغوي ، و أبو الأدمي القارئ ، فلمّا صِرنا بمدينة الرّسول صلّى الله عليه و سلّم ، جاءني أبو القاسم البغوي ، فقال لي : يا أبا بكرٍ ، ها هنا رجلٌ ضريرٌ قد جمع حلقة في مسجد رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، و قعد يقصّ و يروي الكذب من الأحاديث الموضوعة ، و الأخبار المفتعلة ، فإن رأيتَ أن تمضي بنا إليه لننكر عليه ذلك و نمنعه منه ؟ فقلت له : يا أبا القاسم ، إنّ كلامنا لا يؤثّر مع هذا الجمع الكثير و الخلق العظيم ، و لسنا ببغدادَ فيُعرفَ لنا موضِعُنا ، و نُنزَّلَ منازِلنا ، و لكن ها هنا أمرٌ آخر ، و هو الصّواب ، و أقبلتُ على أبي بكرٍ الأدمي فقلت : استعدّ و اقرأ . فما هو إلاّ أن ابتدأ بالقراءة حتّى انْفَلَّت الحلقة ، و انفصل النّاس جميعاً ، و أحاطوا بنا يسمعون قراءة أبي بكرٍ ، و تركوا الضّرير وحده ، فسمعته يقول لقائده : خذ بيدي ، فهكذا تزول النِّعَم ! " .
" لمّ الدرّ المنثور " ص 228-229 رقم 669 . في هذا الخبر جملةٌ من الفوائد ، و يحتاجُ إلى شرحٍ ، و تدركُ بالتّأمُّل إن شاء الله .
12] طُرفةٌ من طرائف الصّحابة رضوان الله عليهم إلاّ أنّها لا تثبُت
على ذكر طرائف الصّحابة رضوان الله عليهم جميعاً . أحببتُ أن أنقل لكم هذه : روى الإمام أحمد في مسنده و ابن ماجه في سننه عن أمّ سلمة رضي الله عنها : " أنّ أبا بكرٍ خرج تاجراً إلى بصرى ، و معه نُعيمان و سُويبط بن حرملة ، و كلاهما بدريٌّ ، و كان سُويبط على الزّاد فجاءه نعيمان فقال : أطعمني ، فقال: لا ، حتّى يأتي أبو بكر - و كان نعيمان رجلاً مِضْحاكاً مزّاحاً - فقال : لأغيظنّك ! فذهب إلى أناسٍ جلبوا ظهراً ، فقال : ابتاعوا منّي غلاماً عربياً فارهاً ، و هو ذو لسانٍ ، و لعلّه يقول : أنا حرٌّ ، فإن كنتم تاركيه لذلك ، فدعوني لا تفسدوا عليَّ غلامي ! فقالوا : بل نبتاعه منك بعشر قَلائِصَ ، فأقبل بها يسوقُها ، و أقبل بالقوم حتّى عقلها ، ثمّ قال للقوم : دونكم هو هذا ، فجاء القوم ، فقالوا : قد اشتريناك ، قال سويبط : هو كاذبٌ أنا رجلٌ حرٌّ ، فقالوا : قد أخبرنا خبرك ! وطرحوا الحبل في رقبته ، فذهبوا به ، فجاء أبو بكرٍ فأُخبر ، فذهب هو و أصحابٍ له فردّوا القلائص و أخذوه ، فضحك منها النبيّ صلى الله عليه و سلّم و أصحابُه حولاً " . إلاّ انّ الحديث لا يصحّ ، فقد ضعّفه الألبانيّ رحمه الله في السّلسلة الضّعيفة و في سنن ابن ماجه ، و قد قلبه ابن ماجه فجعل المازح سويبط و المبتاع نُعيمان .
[size=25][13] و هذه أيضاً عن نُعيمان رضي الله عنه
ذكر الحافظ ابن حجر في " الإصابة " في ترجمة نعيمان نقلاً عن الزّبير بن بكّار في كتابه " الفكاهة و المزاح " أنّه كان لا يدخلُ المدينةَ طُرفةٌ (*) إلاّ اشترى منها ثمّ جاء بها إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم فيقول : ها أهديته لك ، فإذا جاء صاحبُها يطلب نعيمان بثمنها ، أحضره إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و قال : أعط هذا ثمن متاعِه ! فيقول : أو لم تهده لي ؟ فيقول : إنّه والله لم يكن عندي ثمنه و لقد أحببتُ أن تأكله ! فيضحك و بأمر لصاحبه بثمنه " .
(*) الطُّرفة : ما يُستملَحُ من الهدايا مأكولاً كان أو غيره .
[14] و أُخرى تُروَى عنه ، رضي الله عنه و أرضَاه
و ذكر ابن حجر قصّةً أخرى عنه نقلاً عن الزبير بن بكّار : أنّه دخل أعرابيٌّ على النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و أناخ ناقتَه بفنائه ، فقال بعض الصّحابة للنعيمان الأنصاري : لو عقرتها فأكلناها فإنّا قد قَرِمنا إلى اللّحم (*) ، ففعل ، فخرج الأعرابيّ و صاح : و اعقراه يا محمّد ! فخرج النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم فقال من فعل هذا ؟ فقالوا : النّعيمان ، فاتبعه يسأل عنه حتّى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، و استخفى تحت سَرَبٍ (**) لها فوقه جريدٌ ، فأشار رجلٌ إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم حيث هو ، فقال : ما حملك على ما صنعتَ ؟ قال الّذين دلّوك عليّ يا رسول الله هم الّذين أمروني بذلك ، قال فجعل يمسح الّتراب عن وجهه و يضحك ، ثمّ غرمها للأعرابي .
(*) القَرَمُ : شِدَّة شهوة اللّحمِ . (**) السَّرَبُ : بفتحتين ، الحَفيرُ تَحْتَ الأرضِ لا منفذَ له .
[size=25][15] ما جاءَ في ممازحَة النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم بعضَ أصحابِه
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً وكان يهدي إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم هديةً من البادية فيجهّزه النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم ، إذا أراد أن يخرج ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنّ زاهراً باديتُنا و نحن حاضروه ) . و كان صلّى الله عليه و سلّم يحبّه ، و كان رجلاً دميماً ، فأتاه النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم يوماً ، و هو يبيع متاعَه ، فاحتضنه من خلفه ، وهو لا يبصره ، فقال : من هذا ؟ أرسلني ! فالتفَتَ فعرفَ النّبيّ صلى الله عليه و سلّم ، فجعل لا يألو ما ألصقَ ظهره بصدر النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم حين عرفه ، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم يقول : من يشتري هذا العبد ؟ فقال : يا رسول الله إذا و الله تجدني كاسداً ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم :
لكن عند الله لستَ بكاسد ، أو قال : أنت عند الله غالٍ .
أخرجه أحمد و ابن حبّان و البيهقي في السنن الكبرى ، و قال ابن كثير في " البداية و النهاية " ( 6/295 ) بعدما ذكر سنده عند الإمام أحمد : " و هذا إسنادٌ رجاله كلهم ثقات على شرط الصحيحين " ، و صحّحه العلاّمة الألبانيّ رحمه الله في " مختصر الشّمائل المحمّدية " رقم 204 تحت : " باب ما جاء في صفة مزاح رسول الله صلّى الله عليه و سلّم " . [/size][/size] [size=21] [size=21]
[/size][/size] [/right] [/center] [/right] [/b] [16] همُ الرِّجالُ فاقتَدُوا بهِم
عن بكر بن عد الله قال : " كان أصحابُ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم يتبادَحُون بالبِطِّيخ ، فإذا كانت الحقائقُ كانوا همُ الرّجال " يتبادحون : التّرامي بشيء رخو . و الأثر رواه البخاري في " الأدب المفرد " و صحّحه الألبانيّ فيه و في " الصّحيحة " ( 435 ) .
[17] أيَعْجزُ أحدُكم أن يكونَ مِثْلَه ؟
عن ثابت بن عبيد قال : " ما رأيتُ أحداً أَجَلَّ إذا جلس مع القوم ، و لا أفْكَهَ في بيتِه ، من زيد بن ثابتٍ " .
صحّح الألبانيّ إسناده في " الأدب المفرد " ( 219/286 ص 90 ) .
[18] البلادَةُ داءٌ عسيرٌ
أخرج الخطيب البغدادي في " الفقيه و المتفقّه " ( 2/188 ) بسنده عن أبي عمر الزّاهد قال :أخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفرّاء قال : " إنّي لأرحَمُ رجلين : بليداً يطلبُ ، و ذكيًّا لا يطلُب "و في رواية محمّد بن يحي الصّولي عن ثعلب ... قال الفرّاء :" أرحًمُ رجلين : رجلاً يفهم و لا يطلب ، و رجلا يطلب و لا يفهم "قال الخطيب : البلادة داءٌ عسيرٌ بُرؤُه ، عظيمٌ ضرُّهُ 9] هديّتي إليكَ يا أبا الوليد
عن بعض الهاشميّين و هو عمّ أبي عبد الله بن المهتدي الخطيب أنّ نِسوةً ثلاثاً من أهل البصرة بِعْنَ داراً فجِئْنَه مع الدّلال و المشتري ليشهد في كتاب البيع ، فقال للنّسوة بعد قراءته الكتاب : " منْ أنتُنَّ ؟ لا أعرفُكُنَّ ، إيتينَ بنسوةٍ أعرفُهُنّ يعرِفْنَكُنّ يقُلِنَ هنّ أنّكنّ أنتُنّ ، فأشهد عليكُنّ بما قُلتُنّ " ! فقال له المشتري : " أيّها الشّريف قد و الله أبيتُ أن أشتري هذه الدّار خاصّةً ، من أجل هذه المنازعة الّتي قد حصلت فيها ! " . " الفقيه و المتفقّه " ( 2/401 ) . [20] يا فرحة البطّالين بهذه الأسانيد [right] قال شمس الدّين الذّهبيّ : قال أبو حاتِم البُستي فـي مقدّمة كتاب " الضّعفاء " : أخبرنا محمّد بن عمر بن محمّد الهَمَذاني حدّثنا أبو يحيى المُستملي حدّثنا أبو جعفر الجَوْزَجاني حدّثني أبو عبد الله البصري قال : أتيتُ إسحاق بن راهويه فسألتُه شيئاً ، فقال : صَنَعَ الله لك ، قلتُ : لم أسألك صُنعَ الله ، إنّما سألتُك صَدَقَةً ، فقال : لَطَفَ الله لك ، قلت : لم أسألك لُطَف الله ، إنّما سألتُك صدقةً ، فغضب و قال : الصّدقة لا تَحِلُّ لك ، قلتُ: و لِمَ ؟ قال : لأنّ جريراً حدّثنا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبـي هريرة قال رسول الله : « لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ و لاَ لِذِي مِرَّة سَوِيّ » . فقلتُ : تَرَفَّقْ يرحمُك الله ، فمعي حديثٌ في كراهية العمل ! قال إسحاق : و ما هو ؟ قلتُ : حدّثني أبو عبد الله الصّادقُ النّاطق عن أفشين عن إيتاخ عن سِيماء الصّغير عن عُجيف بن عنبسة عن زُغْلُمُج ابن أمير المؤمنـين أنّه قال : " العمل شؤمٌ و تركُه خيرٌ ، تقعد تَمَنَّى خيرٌ من أن تعمل تَعَنَّى " فضحك إسحاق ، و ذهب غضبُه ، و قال: زدنا ، فقلتُ : و حدّثنا الصّادق النّاطق بإسناده عن عُجيف قال : " قعد زغْلُمُج في جلسائه فقال : أخبروني بأعقل النّاس ؟ فأخبر كُلُّ واحدٍ بما عنده ، فقال : لم تُصيبوا ، بل أعقل النّاس الّذي لا يعمل ، لأنّ من العمل يجيء التّعب ، و من التّعب يجيء المرضُ ، و من المرض يجيء الموتُ ، و من عَمل فقد أعان على نفسه ! و الله يقول: { وَ لاَ تَقْتُلوا أنْفُسَكم } " فقال: زدنا من حديثك ، فقال: و حدّثني أبو عبد الله الصّادق النّاطق بإسناده عن زُغْلُمُج ، قال : " من أطعم أخاه شِواءً ، غفر الله له عدد النّوى ، و من أطعم أخاه هريسةً ، غفر له مثل الكنيسة ، و من أطعم أخاه جنب ، غفر الله له كل ذنب " . فضحك إسحاق ، و أمر له بدرهمين و رغيفـين . قال الذّهبيّ : أوردها ابن حبّان ، و لم يُضعّفها .السّير 9/551-552 ( ط.دار الفكر ) . [21] و بهذه الأسانيد يُكبت أهلُ الأهواء [right] قال يحيى بنُ أكثم : قال لي المأمونُ : مَن تركتَ بالبصرة ؟ فوصفتُ له مشايخَ منهم سُليمانُ ابنُ حرب ، و قلتُ : هو ثقةٌ حافظٌ للحديث ، عاقلٌ ، في نهاية السِّترِ والصِّيانة ، فأمرني بحملهِ إليه ، فكتبتُ إليه في ذلك ، فقدِمَ ، فاتَّفقَ أنّي أدخلتُه إليه ، و في المجلسِ ابنُ أبي دُؤاد ، و ثُمَامَةُ ، و أشبـاهٌ لهما ، فكرهتُ أن يدخُلَ مثلُه بحضرتِهم ، فلمّا دَخَل ، سلَّم ، فأجابه الـمأمونُ ، و رفعَ مـجلِسَهُ ، ودعا له سُليمانُ بالعزِّ والتّوفيق ، فقال ابنُ أبي دُؤاد : يا أميرَ المؤمنين ، نسألُ الشّيخ عن مسألةٍ ؟ فنظر المأمونُ إليه نظرَ تخييرٍ له ، فقال سُليمانُ: يا أميرَ الـمؤمنين ، حدّثنا حَمّادُ بنُ زيد قال : قال رجلٌ لابنِ شُبْرُمة: أسألُك ؟ قال: " إن كانت مسألَتُكَ لا تُضحِكُ الجليس ، و لا تُزرِي بـالمسؤولِ ، فَسَلْ " . و حدَّثنا وُهيبٌ قال : قال إِياسُ بنُ مُعاوية : " مِن المسائلِ ما لا ينبغي للسّائلِ أن يَسأَلَ عنها ، و لا للمجيب أن يُجِيب فيها " . فإن كانت مسألتُه من غيرِ هذا ، فليَسْأَل ، و إن كانت من هذا فليُمْسِك. قال: فهابُوه ، فما نطقَ أحدٌ منهم حتّى قام ، و ولاّه قضاءَ مكَّة ، فخرج إلـيها .السّير 9/81ما أبرد سماع مثل هذا على الكبد ، و الله لوددتُ أن أحضر مجلساً كهذا تعزّ فيه السنّة و يظهر أهلها ، و تقمع فيه البدعة و يندحر أهلها .فعلبكم بالعلم إخواني و عليكم بالإسناد فما ذلّ أهل البدع في المجالس بمثل سماعهم : حدّثنا و أخبرنا ... [22] بَغْلةٌ سُنِّيَّةٌ
قال عُبـيد بن شريك البزار كان أبو معمر القَطِيعي من شدّة إدْلالِه بالسّنة يقول: لو تكلّـمتْ بغلتـي لقالت : إنّها سُنِّـيَّةٌ السّير 9/358الإدلال : شدّة الاعتزاز بالشّيء و التحّدث بذلك افتخارا . [23] ما ظننتُ أنّه بَقِيَ من نسلِ آدمَ أحدٌ ! كان أبو نُعيمٍ ذا دُعابةٍ ؛ فروى عليُّ بنُ العبّاس المَقَانِعي سمعتُ الحُسَيْنَ بنَ عَمرو العَنْقَزِي يقول : دقَّ رجلٌ على أبي نُعيمٍ البابَ ، فقال : مَن ذا ؟ قال : أنا ، قال: مَن أنا ؟ قال : رجلٌ من ولد آدم ، فخرجَ إليه أبو نُعيم ، و قبَّله ، و قال : مرحباً و أهلاً ، ما ظننتُ أنّه بقي مِن هذا النّسل أَحدٌ .السّير 8/456 أبو نعيم هو الفضل بنُ دكين شيخ الإسلام ( ت 219 هـ ) . [24] هذا بلدٌ يموتُ فيه العلمُ
قال عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، نا محمّد بن خلف العسقلاني قال : سمعتُ روّاد بن الجرّاح يقول : " قدم سفيان الثّوري عَسْقَلاَن ، فمكثَ ثلاثاً لا يسأله إنسانٌ عن شيء ، فقال : اكترِ لي ، أخرج من هذا البلد ! هذا بلدٌ يموت فيه العلم ! " .
[right] الجامع في أخلاق الرّاوي و آداب السّامع للخطيب 2/420 . [/right] [/right]
[/right]
| |
|
خوخه فلسطين
تاريخ التسجيل : 11/02/2010 عدد المساهمات : 8943
| موضوع: رد: طرائف و لطائف من بطون الكتب و الصّحائف الأربعاء 16 يونيو 2010, 7:07 pm | |
| يسلمو على طررحك القيم تقبلي مروري | |
|
خوخه فلسطين
تاريخ التسجيل : 11/02/2010 عدد المساهمات : 8943
| موضوع: رد: طرائف و لطائف من بطون الكتب و الصّحائف الأربعاء 16 يونيو 2010, 7:07 pm | |
| يسلمو على طررحك القيم تقبلي مروري | |
|
دموع البحر
تاريخ التسجيل : 01/08/2009 عدد المساهمات : 3417
| موضوع: رد: طرائف و لطائف من بطون الكتب و الصّحائف الخميس 17 يونيو 2010, 1:17 pm | |
| - خوخه فلسطين كتب:
- يسلمو على طررحك القيم
تقبلي مروري اختي خوخه فلسطين شكرا على مرورك الكريم كلك زوووووووووووووووووووء تسلمي على ما قدمتيه من مشاركات متميزه تحيتي دموع البحر | |
|