شيخ هرم كبير أحنت الأيام ظهره ولكنها لم تستطع أن تحني كبرياءه فقد بلغ من الكبر عتياً ... وسرق السجن والمرض منه قوته وصلابة جسده ولكنه بقي شامخاً كالنخل يتحدى تصاريف الزمان كجلمود صخر.. ساقه حبه لوطنه وعشقه لفلسطين إلى مقابر الأحياء السجون ...
غارت عيناه الحائرتان في رأسه الذي تساقط كل شعره وعلا عينيه حاجب شاب وأسدل نفسه على عيني صاحبه من شدة ما شاهد من ظلم وأذى وقهر وسجون....
ثمانون عاماً أو يزيد هو عمر أكبر أسير فلسطيني في سجون الاحتلال وثمانية وعشرون عاماً هي المدة التي أمضاها حتى الآن عميد أسرى الداخل يتنقل من سجن إلى آخر ومن زنزانة ضيقة إلى زنزانة أكثر ضيقاً ومن عزل جماعي إلى عزل انفرادي ومن إضراب إلى مواجهة مباشرة مع أصحاب الخوذ العسكرية والعصي البلاستيكية ورشاشات الغاز.
إذا ما جلست بجانب أكبر الأسرى سناً في سجون الاحتلال تشعر بجاذبية غريبة تنصت له بكل جوارحك تسمع منه بلغته البسيطة وكلماته التي تدل على لكنة أهل البلد الأصليين أنه من الداخل المحتل يتحدث عن مسقط رأسه( عاره ) بحديث ما بعده حديث يشتاق لربيع (عاره) وسهولها وهضابها يتحدث عن كرم العنب وكيف أن الورق الأخضر يزين معرّش البيت وكيف أن ندى الصباح يعيد الروح للجسد العليل ويتحدث عن شبابه وسنين عمره التي أمضاها يدافع عن وطنه وكيف أنه تعلم حب الوطن من والده رحمه الله ومن أمه تغمدها الله في رحمته وتنهمر من عينيه دمعتان تنسابان لتغور في تجاعيد وجهه التي رسمها له الزمان ويقول رحمك الله يا أبي رحمك الله يا أمي فتشعر أنك بجوار طفل لم تستطع قسوة الأيام أن تسرق من روحه طفولتها وبراءتها وهو الشيخ الثمانيني.
سامي يونس من مواليد عام 1929م عاصر كل الحروب وجميع النكبات والنكسات وقاتل في صفوف الثورة والثوار رضع من أمه روح عز الدين القسام وبطولة عبد القادر الحسيني ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي فكان سامي الثائر سامي المقاتل سامي الذي وقع بين قبضتي السجان فسامه من العذاب ما سامه وحكم عليه بأعلى الأحكام مدى الحياة ورفض الإفراج عنه في كل الصفقات وأصر أن يبقى سامي بالسجن ما بقي قلبه ينبض.
سامي يونس معتقل من 15/1/1983 بمعنى أنه أمضى أكثر من عقدين بثمانية أعوام في سجون الاحتلال تم إهماله من كل صفقات تبادل الأسرى وهو الآن يقبع في سجن جلبوع يحمل في سبحته الطويلة يذكر الله بها وفي يده الأخرى كيس الدواء ينقله معه حيث شاء هذا لنظم دقات القلب وذلك للضغط وغيره لوجع المعدة ومرهم لألم الظهر وقائمة من الأدوية طويلة لا يفتأ يحدثك عن الماضي وحنينه للوطن وأسماء أحفاده وأولاده وإضرابات الأسرى طموحاته.
سامي يونس ذاكرة متنقلة وتاريخ طويل وحكاية شعب رفض التقسيمات الجغرافية وأصر على وحدة الوطن ينتظر ذلك اليوم الذي يتنسم فيه الحرية يأمل أن لا تهمله صفقة شاليط وأن يخرج وأن يكون هناك في العمر بقية لكي يكحل عينيه بجمال الوطن ولكي يعانق أحفاده يحدثهم عن ليالي السجن وقسوة السجان وحب الوطن.
لك يا سيدنا وأبانا منا كل الحب ننتظرك وتنتظرك فلسطين بقامتك السامقة وجبينك المعطر برائحة الوطن وإلى أن نلقاك لك منا كل الحب والتقدير والاحترام .
بقلم فؤاد الخفش